Sunday, May 27, 2007

رغم استكمال المصالحات وتوافق الأطراف السياسيين على العودة
أهالي كفرمتى والشحّار ينتظرون الافراج على التعويضات
ويطالبون بمساواتهم مع سائر أبناء الوطن


مرت 24 سنة. نحو ربع قرن توالت سنواته منذ العام 1983. ولدت أجيال ورحلت أخرى وكأن الأعوام لم تمرّ أبداً بالنسبة لمهجّري كفرمتّى وبقية قرى الشّحار الغربي الذين لم يعودوا بعد الى قراهم. جرت مصالحات, انعقدت ندوات وتمّت آلاف المراجعات, لكن كفرمتّى والقرى المهجرة الأخرى لا تزال شاهدة على مأساة من أقسى مآسي الحرب الغابرة. مأساة ربما تكون ساعدت عوامل عدة على اندمال جرحها, لعلّ أبرزها الزّيارة التاريخية للبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الى الجبل والتي توّجت بالمصالحة, بالاضافة الى الواقع السّياسي المتجدّد الذي رسم أملاً في عودة سريعة للمهجرين. لكن عوائق ما زالت تحول دون استكمال العودة واغلاق آخر صفحة من كتاب الجبل الأسود في سنوات الحرب. يختصر أبرز هذه الأسباب بثلاث كلمات: عدم توافر أموال.


منذ نعومة أظافرها ووالدة الفتاة العشرينية تخبرها عن سحر بلدتها التي لم تزرها يوماً": كفرمتى. هكذا
رسمت الفتاة في خيالها صوراً لا تحصى عن تلك البلدة التي تسمع عنها الكثير من دون التعرف عليهامحمية طبيعية غارقة في ثنايا غابات الصنوبر الشاهدة على تاريخ يريد الكل نسيانه. انها الرحلة الأولى لكفرمتى التي تقوم بها, القرية التي تعرفها على الهوية فقط. لم يخب أملها قط, القرية شديدة الرّوعة, ولكن عند الوصول أمر غريب يظهر من دون أي استئذان. تناقض فاضح يشد الأنظار وكأن كفرمتى مقسومة شطرين: معظم البيوت العائدة لأبناء البلدة الدروز مبنيّة بالكامل وصالحة للسكن على أكمل وجه, أما البيوت العائدة لأبناء البلدة المسيحيين فلا تقبل الحرب أن تغادرها, حتّى الركام لم يزل من بعض المنازل. محاولات حثيثة تقوم بها البلدية لإعادة بث روح الحياة في القرية, ولكن الحقيقة واضحة: المنازل التي هجر منها أهلها لا تزال فارغة, وحيدة لا بل مهدّمة.
ويبقى الوضع معلقاً حتى يحصل أبناء كفرمتّى من مهجَرين ومقيمين على حدّ سواء على التعويضات التي تتلاءم ومطالبهم, على الأقل لإعادة بناء ما تهدّم وتدمّر من ممتلكاتهم وليستطيعوا البدء بحياة جديدة في قريتهم.
"بالكلام لا يمكن التعبير عن مشاعة المشهد" تؤكّد تيريز سعد, ابنة القرية, والتي هجرت منها لدى وقوع الأحداث المأسويّة عندما ترى منزلها المهدّم لأول مرة منذ العام 1983. وتضيف بحسرة: "لأكثر من 20 عاما المنزل مهدّم, ترى ذكرياتك المهجورة في داخله سوداء كسواد الحائط الذي اتخذه لونا دائما". ولا تنسى سعد المطالبة بالحصول على التعويضات بأسرع وقت ممكن "لنستطيع ازالة الركام والتفكير ببدء الترميم". ليست تلك مشكلة تريز وحدها فمعظم أبناء بلدتها والقرى التي ما زالت مهجرة تنتظر بفارغ الصبر وصول تعويضات التهجير وأموال إعادة البناء.


للذكرى فقط
يتغنى رئيس بلدية كفرمتى فؤاد خداج بتاريخ القرية قبل اندلاع الحوادث المؤلمة, ويشرح جغرافيّتها مؤكدا انها اكبر قرى منطقة الشحار, ويتذكر كم كانت مميّزة بالعيش المشترك. ويكمل "كانت ضيعة واحدة, بل عائلة واحدة بالعادات والتقاليد والأتراح والأفراح الى حين اندلاع الحرب الأليمة في الجبل." وينتقل ليتذكّر أن الحوادث التي عاشتها كفرمتى من أكبر الحوادث التي مرت على هذا الجبل "فدفعت القرية الكثير من البشر والحجر." ويتابع قائلاً ان دروز كفرمتى هجّروا عام 1983 مدّة 6 أشهر ثم عادوا إليها وهجّر المسيحيون ومن هذا التاريخ مرّ على هذا التهجير ربع قرن." من جهته, يشير عضو لجنة متابعة العودة وأحد المهجرين من كفرمتى سليمان جرجي رامح الى أن الحوادث انتقلت مع دخول اسرائيل الى الجبل و"بدأت اللعبة السياسية, ودخل الجيش اللبناني بعدها الى المنطقة وكانت نقطة انطلاق الاشتباكات

بعدما فتحت وزارة شؤون المهجرين ملف العودة الى الجبل اثر انتهاء الحرب, بدأت المعالجات في القرى التي عانت "مشاكل أقل من غيرها", أي أن العمل انطلق وفق قاعدة من الأسهل الى الأصعب بشكل أكثر تبسيطاً. وفضلت الوزارة أن تبقي القرى التي تحتاج الى مصالحات حتى تتمَ العودة والاطمئنان اليها الى نهاية ملف المهجرين "حتى تصبح النفوس مهيأة اكثر لتقبل الآخر" برأي سعد. ويوضح خداج ان الأسباب التي كانت تحول دون العودة في أغلبها "معنوية" بسبب الخسائر البشرية من الطرفين ابان الحرب لكنه يسارع ليؤكد ان "الاسباب المعنوية ذللت ولم يعد هناك اي مانع للمصالحة والعودة." ولكن ما الذي حصل لإزالة "العوائق النفسية" وبدء العمل الجدي لإنهاء معاناة أهالي الجبل المهجرين؟
مصالحة... ولا عودة
يتفق الطرفان انه قبل التطورات الاخيرة في البلاد التي نسجت تحالفات سياسية جديدة كان ملف العودة لكفرمتى وغيرها غير ممكن او بعيد المنال على الاقل. ففي تلك المرحلة يشدد سعد على غياب السياسيين الذي يطالبون بالعودة "دون غايات", اضافة الى المشاكل المادية. انما وبعد عدة تطورات متسارعة في الوضع السياسي الداخلي, قام تحالف بين الحزب الاشتراكي و"القوات اللبنانية" في اطار تحالف عام وشامل في كل لبنان. وكان لا بد من ان ينعكس هذا التحالف على ملف المهجرين خاصة انه ملف ملح انساني بالدرجة الأولى. في هذا المجال, يلفت سعد الى انه بعد الانتخابات النيابية الأخيرة (2004) برزت وعود حقيقية وخطوات جدية نحو تحقيق العودة عززتها الاتصالات بين القيادات السياسية لتحريك ملف كفرمتى والقرى الأخرى.
وكنتيجة لتلك الخطوات تمت لقاءات بين لجنة العودة لتي تضم التيارات السياسية والعائلات المقيمة. وجرت بعد ذلك سلسلة لقاءات بين "القوات" و"الاشتراكي" توصلاً للمصالحة التي تمت في المختارة بالذات حين اعلن النائب وليد جنبلاط والنائب جورج عدوان عن "القوات اللبنانية" ان "المصالحة قد تمت". اذن, بما ان العقبات السياسية والنفسية قد ازيحت من طريق العودة ما الذي يمنع من تحقيقها؟ كل هذه الخطوات الايجابية والأهالي لم يعودوا بعد الى قراهم. التفسير الوحيد الذي يمكن ايراده هنا هو العامل المادي.

إن تأمين الأموال ومصادرها لدفع التعويضات يشكل مسألة مستعصية رغم كل ما تم صرفه على ملف المهجرين. وهذا يضاف الى مسألة أساسية أخرى وهي قيمة التعويضات. فالتعويض المقترح هو 30 مليون ليرة لبنانية فقط لا غير, بعد أكثر من 20 عاماً من التهجير! ومن البديهي ان يطالب الأهالي بمبدأ المساواة في التعاطي بين أبناء الوطن ويطلبون 60 مليون ليرة او 50 مليون أقله, ويعتبرون انه في الدولة العادلة لا يجوز ان يكون صيف وشتاء تحت سقف واحد. وبالنسبة الى خداج فإن الثلاثين مليون مليون ليرة "لا يعملون حتى على إزالة الركام وبناء أساس أي منزل." وربما هو محق في قوله هذا نظراً للارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء بشكل عام. فهل تكون الضمانات الوحيدة لتحقيق العودة هي في الوصول الى حل سياسي يضمن تأمين الاموال كما يؤكد خداج؟ وكم على المهجرين الانتظار بعد؟ لا يختلف اثنان على ان التعويضات المقررة لمهجري الجبل لا تتناسب بتاتا مع حاجات اعادة البناء والسّكن من جديد في القرى التي يتوق أهلها للعودة اليها. لذا كان لا بدّ من التزام خطوات لرفع قيمة التعويضات والاسراع بقبض الأموال. وفي هذا الميدان, فإن المقيمين والمهجرين يقارنون بين ما دفع لأبناء الضاحية الجنوبية والجنوب مثلاً بعد أشهر قليلة على حرب تمّوز 2006 وبين ما لم يدفع بعد لأبناء الجبل الذي مضى على تهجيرهم 25 عاما. ويقول خدّاج ان التعويضات في حال اقتصرت على 30 مليون ليرة لن تكفي البتّة" فما من عدل ان يحصل الأخ الذي تهجر منذ 8 أشهر على تعويض قيمته 80 مليون ليرة, في حين يحصل ابن كفرمتى مثلاًَ على 30 مليونا بانتظار ان يحصل عليها اصلاً
."
وتكثر المطالبات برفع التعويضات, لكن العقبة في عدم التمكن من اصدار قانون جديد لرفع قيمة التعويضات بسبب عدم انعقاد مجلس النواب الذي بإمكانه أن يصدر مرسوماً بعد رفع مشروع قانون اليه من الحكومة. ولهذا السبب فزيادة المبالغ المالية المتوقع دفعها كتعويضات للمهجرين تستلزم اجراءات تتسم بالطابع السياسي المرتبط بالأزمة الحالية, فالحل الوحيد كما يؤكد الطرفان هو الحصول على أموال آتية من الخارج لدفع التعويضات اللازمة للمهجرين. وتحقيقا لتلك المطالب التقى وفد من رؤساء بلديات ومخاتير قضاءي بعبدا وعاليه بحضور أفراد من المهجرين رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الذي أعلن انه سيسعى في أول جلسة للمجلس الى تمرير سلفة اولى لصندوق المهجرين. وتوجه وفد لجنة كفرمتى المؤلف من 37 عضواً الى وزارة المهجّرين واجتمعوا بالوزير نعمة طعمة وأكدوا الاصرار على دفع التعويضات المحقة أسوة بالمهجرين من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
اما في ما يتعلق بأساس دفع التعويضات, فسيتم الدفع وفقا لأساس فرعين: أي رب المنزل يحقّ له بالتعويض زائد 2 من أولاده فوق سن ال18, وقد اتفق بين الأطراف الجبلية جميعها على هذا المنطلق في الدفع بانتظار الموعد المحدد للبدء بتسديد الاموال.
لا شكّ في أن الوضع في القرى التي لم تستكمل فيها العودة تحسّن نسبيّا عن الاعوام الماضية. لكن القضية لن تصل الى خواتيمها السعيدة الا بالعودة الكاملة لأبناء الجبل لقراهم. فكما يعبّر التوّاقون الى العودة: الضمانات الامنية موجودة حيث الجيش اللبناني والقوى الامنية, والتوافق السياسي سائد بالاضافة الى أن استكمال العودة يشكّل تطبيقاً لبنود اتفاق الطائف الذي لحظ الموضوع كما فعلت كل البيانات المتعاقبة لمجلس الوزراء. وفي النتيجة ان قرى كفرمتى, عبيه, عين كسور, دقون, كليليه, بريح, كفرسلوان وجوار الجوز ترفض ان تبقى أسيرة الماضي وتحتاج لمن يعيدها أخيرا الى خريطة لبنان الحقيقية, فهي أيضاً تحبّ الحياة وتريد أن تشعر بنبضها.

Wednesday, May 23, 2007

القطاع الخاص اكثر المستفيدين من تقديماته
كيف سيؤثّر باريس-3 على اللبناني العادي؟



منذ ستة أشهر تقريبا وتحديدا في 25 كانون الثاني 2007 كان لبنان نجما في العاصمة الفرنسية باريس حيث اجتمع ممثلو اكثر من 40 دولة ومؤسسة دولية, توافدوا من الشرق والغرب لمساندته ماليا. فمن كوريا الجنوبية الى فنلندا, من استراليا الى السويد ومن البرازيل الى ماليزيا تلاقت الدول في مؤتمر باريس-3 لاثبات دعمها لوطن الارز ولتأكيد مرة جديدة مكانة لبنان في المنظور الدولي والاهمية الكبرى التي تعلقها الدول العربية والدول الكبرى الصديقة لا سيما فرنسا على ضرورة المحافظة على استقراره المالي والاقتصادي. اتفق قادة البلدان المشاركة في هذه "التظاهرة العالمية" على تقديم دعم سخي للبنان, مثلهم فعلت المؤسسات المانحة في مقابل وعد لبناني بالالتزام بخطة اصلاح مالي واقتصادي شاملة كانت الحكومة اللبنانية قد اقرتها وحظيت "بمباركة" المجتمع الدولي. عندما جمعت المبالغ الموعودة, خيم الصمت على القاعة, 7,6 مليارات دولار. أعرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن سروره, فلأول مرة تأتي التعهدات اعلى بكثير من التوقعات‍‍‍‍! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الميدان يتناول بشكل رئيس التأثيرات والتداعيات التي ستواجه المواطن اللبناني جراء باريس-3 ايجابية كانت أم سلبية الى جانب المستوى الاقتصادي المالي العام. هل تستطيع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السير بالورقة الاصلاحية التي نالت على أساسها الثقة للحصول على الاموال في خضم الازمة االسياسية الراهنة؟ وبالتالي ما هي قدرة اللبنانيين على التجاوب مع متطلبات هذه الورقة؟ من يراقب سير صرف الاموال المقدمة وما هي الضمانات في هذا الاطار ومتى ستأتي الاموال الموعودة؟ وماذا يحتاج لبنان فعلا للنهوض من كبوته الاقتصادية؟ أسئلة أساسية تنتظر الاجابة عنها الشريحة الاكبر من النسيج اللبناني التواقة للخروج من النفق الاقتصادي والسياسي المظلم
من الطبيعي ان يكون المؤتمر الدولي لدعم لبنان افضى الى تعهدات بتقديم حوالي 7,62 مليار دولار على شكل منح وقروض

ميسَرةللمساعدة في اعادة بناء واصلاح الاقتصاد اللبناني الرازح تحت عبء دين عام ثقيل ويعانيالنتائجالكارثية لحرب تموز2006 مقابل ورقة اصلاحية تقدمت بها الحكومة اللبنانية. وستأخذ هذه الاموال أصلا شكل منح وتمويل لمشاريع, بعضها "مشروط" بتطبيق ورقة الاصلاح المالي والاقتصادي. ومن اجمالي المبالغ المرصودة, سيأخذ حوالي 730 مليون دولار شكل منح, مليارا دولار كقروض ميسَرة هدفها دعم الخزينة المالية, بالاضافة الى مبالغ بقيمة 2,2 مليار دولار ستذهب الى القطاع الخاص على شكل قروض. وسيجري استخدام هذه المساعدة لخفض الدين العام, وخفض تكلفة خدمة الدين ومشاريع الاستثمار في البنى التحتية وتفعيل اداء القطاع الخاص وتنفيذ رزمة من الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تبدو العقبة الاكبر في مسيرة باريس-3.
خطة الاصلاح؟
تستهدف اكثر التعهدات المالية التي قطعت في المؤتمر تمويل خطة الاصلاح المالي والاقتصادي الخمسية, والتي رأى فيها صندوق النقد الدولي برنامجا طموحا. ورغم أن حجم المساعدات التي تم التعهد بها تتجاوز ما حصل عليه لبنان في المؤتمرين الباريسيين السابقين الا ان معظم المانحين ربطوا تقديم المساعدة بالتقدم الحاصل في خطة الحكومة الاصلاحي. وباعتبار ان عناصر عدة في ورقة لبنان الى المؤتمر تتطلب تصديق البرلمان عليها, يخشى الا يحصل لبنان في نهاية المطاف سوى على حصة ضئيلة مما تعهد المجتمع الدولي بتقديمه. وكان العديد من المشاركين في المؤتمر اكدوا ان المبالغ الموعودة لن تمنح للبنان دفعة واحدة بل سيجري تقسيطها بما يواكب تطبيق البرنامج الاصلاحي مثير للجدل داخليا.

بعد اقرار مجلس الوزراء اللبناني خطة الرئيس فؤاد السنيورة لمؤتمر باريس-3 لقيت هذه الخطرفضامن بعض الهيئات الاقتصادية لما تضمنته من بنود في زيادة الضرائب الامر الذي قد لا يتحمله اللبناني في المستقبل خصوصا انه يرزح تحت عبء ضريبي كبير. فما هي البنود التي تمس اللبناني تحديدا؟ يتضمن باب "تحفيز الايرادات" في الورقة الاصلاحية رفعا لنسبة الضريبة على الفوائد من 5% الى 7% بدءا من العام 2008 وهنا لا بد من اللفت الى ان هكذا اجراء قد يشجع قسما من اللبنانيين الى تحويل اموالهم الى مصارف خارجية ويهربون بالتالي الودائع. كما تتناول الورقة "توصية" برفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 12% في العام 2008, ثم الى 15% في العام 2010 وتعديل نسبة الرسم على البنزين بشكل تدريجي بدءا من نهاية 2007 حتى تعود الى مستواها قبل وضع سقف لسعر البيع بحلول عام 2011. ومن البديهي القول ان تعديل هذه النسب سيؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة في لبنان ويؤدي الى خفض القدرة الشرائية للمستهلك. وبالنسبة لبند استبدال الضرائب النوعية على الدخل بالضريبة الموحدة على الدخل الاجمالي دون ادخال تعديلات على نسب الضريبة بحلول عام 2008 فإن ذلك سيؤثر جدا على السرية المصرفية لأنه سيضع فوائد المصارف ضمن الضريبة. اما في مجال اجراءات الانفاق فقد ورد في الخطة نية مراجعة الرواتب والتقديمات في بعض المؤسسات العامة وخاصة رواتب اعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين اضافة الى مخصصات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ومن الملح ان يتم الاسراع بتنفيذ هذه الاجراءات لأن الرواتب الخاصة بالمسؤولين ان تم اقتطاع جزء يسير منها تساهم بشكل كبير في استثمار مشاريع تنموية مثلا‍! ويترافق الاجراء الخاص بالرواتب بتخفيض نفقات السفر الرسمية الى حد ادنى واعادة النظر بمخصصات السفر. وتطلب الخطة توفيرا في تعويضات النقل ومصاريف اخرى عبر تمديد ساعات العمل من 32 ساعة الى 36 ساعة بحلول منتصف العام 2007 ولكن من المعروف ان الانتاجية لا ترتبط بالضرورة بالساعات انما هي بقدرة الانسان على العمل ضمن الساعة المحددة ومن الواجب تحفيز الموظفين خاصة الأكفَاء منهم لمزيد من الانتاجية. وتلحظ الخطة ايضا تقليص الهدر المتعلق باتسهلاك المحروقات وكلفة الاتصالات في القطاع العام وهو أمر ملح نظرا للهدر الكبير الملاحظ في هذا القطاع. كما تقرر اغلاق صندوق المهجرين ومجلس الجنوب الذين من المتوقع ان ينجزا مهامهما المحددة بحلول نهاية عام 2008 ومراجعة اوضاع الاستخدام المفرط في بعض الوزارات

والمؤسسات العامة التي لم تعد فاعلة ومن غير المنطقي "معارضة" هذا البند بل بالعكس يجب البدء بتنفيذه فورا عبر الاقفال النهائي لملف المهجرين. يبدو جليَا ان قسما لا بأس به من البنود تمسَ المواطن اللبناني في حياته اليومية الا ان ما يجدر تناوله بالحاح هو مدى نجاح اهداف الخطة الاقتصادية ومؤتمر باريس-3 في حال تطبيقها كاملة مع العلم ان دونها عقبات كثيرة؟ ان قرارات مؤتمر باريس-3 هي بداية طريق طويلة لاستعادة العافية للاقتصاد الوطني ولا يمكن الاستفادة مما ناله لبنان من هذا المؤتمر ما لم يتم تحقيق الامور الآتية على الأقل: استقرار الوضع الامني والسياسي, توسيع أهداف الخطة الاصلاحية والتخلي عن بعض بنودها وادماج بين بنودها ونقل الخطة من الاصلاح المالي كمقام أول الى الاصلاح والتحفيز الاقتصادي, بالاضافة الى اشاعة شعور بسلامة الاستثمار في لبنان. واذ يعوَل الكثير على المؤتمر الدولي لانقاذ الاقتصاد اللبناني من اوضاعه الحالية, يحتاج لبنان ليس فقط الى تعزيز النمو وتخفيف الفقر بل الى تعميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فما هو السبيل لتحقيق ذلك بالتوازي مع باريس-3؟
اجراءات ضرورية
تحتاج مؤسسات الدولة اللبنانية وليس الحكومة فقط الى توسيع نظرتها للتنمية بحيث تتعزز الديمقراطية وتتنوع السياسات المطلوبة لتشمل الشؤون الاجتماعية والاداية الى جانب الاقتصادية. ان مفهوم التنمية في القرن الواحد والعشرين لا يقتصر على تطوير معيشة المواطنين وتحسين القوانين والمؤسسات وانما يشمل تعيين المقومات التي تسمح بتحقيق تغيرات سليمة في المجتمع أي ان يتجاوز المجتمع أية تبدلات اقتصادية بسلاسة دون مشاكل او تعثرات. ولمحاولة الاستفادة الى أقصى حد من آثار اقتصادية ناجحة لباريس-3 يجب ان يطرح أي برنامج اصلاحي يقدم الى الخارج في الداخل حاظيا بموافقة الحكومة ومناقشة المجلس النيابي وان يكون معلنا رسميا اي ان يقدم الى اللبنانيين حتى يدعموا المواقف التي ستعلن.
باختصار, يجب تجنب أخطاء باريس-2 حتى يكون باريس-3 ناجحا ليس فقط في انعقاده وانما ايضا في نتائجه الكبيرة المتوقعة.اذن لا بد من اتخاذ خطوات جريئة وضرورية تتركز على التالي:
- محاربة الفقر الذي زاد مجددا نتيجة الحرب الاخيرة وضياع موسم اصطياف مزدهر وبالتالي فرص عمل جديدة. هناك فارق كبير جدا بين نمو 6% كان متوقعا لسنة 2006 وركود محتمل لهذا العام يقدر ب6% ايضا‍! لذا يجب ان تبذل الحكومة جهودا حثيثة وان تملك استراتيجية واضحة بشأن محاربة البطالة والفقر. ترتكر الاستراتيجية على قواعد ثلاثة اولها توفير الفرص الانتجاية للفقراء, تشجيعهم على المشاركة في القرارات الاقتصادية المؤثرة في حياتهم وثالثا حمايتهم من من المخاطر الاجتماعية التي تواجههم عبر توفير ما يعرف ب"شبكات الامان".
- التعهد الحكومي بالقيام باصلاحات ضخمة في القوانين والمؤسسات لتقديم خدمات أفضل للبنانيين وليصبح الاقتصاد جاذبا اكبر للاستثمارات الخارجية. يمكن البدء كخطوة أولى باصلاح اداري اذ لا يمكن تكون سياسات فاعلة في غياب ارادة منتجة‍. في هذا الميدان, من المفيد جدا تنفيذ الخصخصة والتفكير مجددا باللامركزية الادارية التي تسهل حياة الناس وتطور عمل الادارات.
- متابعة الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي عبر دفع جديد تقوم به الحكومة لملف انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية الى الواجهة حيث ان للعولمة منافع كثيرة اذا استطعنا الاستفادة من قواعدها وحمينا الاقتصاد اللبناني من التقلبات الكبيرة.
قد تجيب هذه الافكار عن تساؤلات حول اعتماد افضل السبل لتحقيق توازيا منطقيا مع متطلبات ونتائح مؤتمر باريس-3 الا أنه من الملح القاء الضوء على اكثر القطاعات المستفيدة من المؤتمر وعن الموعد المنتظر لبدء وصول المساعدات.
تأثيرات وتطمينات
يبدو ان القروض الميسَرة ستركز على تأمين اموال التعويضات التي تطالب بها مؤسسات عانت الدمار الشامل ابان حرب تموز اي التي تضررت في شكل مباشر وشديد (200 مليون دولار), وتمويل التعويضات من المؤسسات التي عانت اضرارا غير مباشرة وشديدة وهذا البرنامج الذي تبلغ كلفته حوالي 40 مليون دولار يمثل ركيزة مهمة لتغطية الخسائر الاقتصادية في القطاعات التي عانت الحرب والحصار وكانت أضرارها غير المباشرة اكبر واقوى بكثير من اضرارها المباشرة. ويضاف الى تلك القروض أخرى مدعومة تهدف الى تمكين اعادة جدولة ديون المؤسسات القائمة وتمويل الرساميل التشغيلية لها من خلال برنامج تبلغ قيمته حوالي 9 ملايين دولار. اما القروض المتبقية فتمثل اموالا مدعومة لتمويل المشاريع الصغيرة وتأمين القروض الصغرى (Micro credits) من خلال برنامج قيمته 100 مليون دولار فضلا عن برنامج يهدف الى توسيع اطار قروض "كفالات" للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقيمته 150 مليون دولار.
هكذا يتبين بوضوح ان مبالغ باريس-3 ستكون مصوبة بتركيز على ايلاء اهتمام اساسي لدفع عجلة القطاع الخاص والنشاط الاقتصادي الى جانب تمويل ميسَر وطويل الامد من خلال المؤسسات الدولية والعربية وتحديد آجال الاستحقاقات واعطاء مهل سماح واعادة هيكلة الديون وتنمية الصادرات والترويج للبنان كمركز اعمال ومال وخدمات في المنطقة. اما عن الموعد المتوقع لبدء وصول الاموال الموعودة فإن البرامج التنموية قد انطلق بعضها فعلا الا أن الكثير منها ايضا يحتاج الى اجراءات داخلية لبنانية مع توقع اولى الدفعات خلال الفترة القريبة القادمة خاصة من فرنسا والدول العربية.
ومنعا لأي تشكيك قد يطرأ في بال العديدين خاصة مع حال الفساد المستشري في البلاد يشار الى ان صندوق النقد الدولي سيتولى مراقبة تطبيق الاصلاحات ويصدر تقارير فصلية حول التقدم الحاصل فيها وستكلف لجنة من ممثلين للبلدان المانحة والمنظمات الدولية تقييم الخطوات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية في هذا الصدد مع التأكيد ان البلدان العربية ستساهم في هذه اللجنة بفعالية.
يواجه الاقتصاد اللبناني ومنذ ما قبل انعقاد مؤتمر باريس-3 صعوبات جمة فالدين العام يتجاوز 41 مليار دولار ويساوي ضعفي الناتج المحلي اللبناني ما يضع الوطن الصغير في مصاف اكثر البلدان مديونية نظرا لدخله الوطني. وقد زادت تأثيرات حرب تموز من تعقيد الازمة فبرزت الحاجة لمؤتمر باريس-3. اعتبر صندوق النقد الدولي ان النجاح في مؤتمر باريس-3 ضروري لوضع الدين العام عند مستويات مستدامة وخطة الاصلاح المالي والاقتصادي اللبنانية ينبغي ان تنال دعما قويا عبر رزمة من التبرعات والمنح التي تسهم في خفض الدين. صحيح ان باريس-3 ليس حلا في حد ذاته, انما ينبغي حسن الاستفادة منه لتحسين وضع المالية العامة من جهة وتحفيز النشاط الاقتصادي لتحقيق النمو وتوفير فرص العمل من جهة أخرى, ويجب تحقيق قفزة نوعية من هذه الصدمة
الايجابية التي من المحتمل جدا ان يطاح بها نظرا للاوضاع السياسية والتشنجات الخطيرة التي نعيشها.

Tuesday, May 22, 2007



مسلّمات تحت الاختبار ...

حدّد رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مؤخراً أمام منتدى الاقتصاد العربي الذي انعقد في العاصمة بيروت ثلاث "مسلّمات" لتحقيق "قفزة اقتصادية وتنمويّة شاسعة الآفاق". وتركزت هذه المسلّمات في اطار "الدولة الحامية والواعية والراعية والقوية", "الاستقرار الأمني والاجتماعي" و"العلاقة الحسنة بالعرب والعالم". بكلام أكاديميّ لا يحمل الجدل رسم الرئيس السنيورة من حيث ربما لا يدري صورة قاتمة للمستقبل القريب.
بعيداً عن كل ما تحمله السياسة ويمكن أن تؤوّل ما لا يمكن تأوليه, يبدو ايجاد دولة حامية واعية راعية وقوية

مبغىً صعب الولوج اليه على الأقل ضمن المدى المنظور. ففي ظل التشرذم الكثيف الحاصل وازدواجيّة لافتة في التدخل الخارجي تغيب أسهل وأقل مقومات الدولة من الصورة. مهما حاولنا التخفيف من ظلامة المشهد فمن البديهي القول ان الدولة ليست المسيطرة على مرافق الحكم وأسسه الطبيعية. لا يمكن مجرد التفكير بتحقيق تحسن اقتصادي ولو خجول دون تقوية مداميك الدولة واعطاء كل التسهيلات لانجاح مهمتها متجاهلين لمرّة المصالح الشخصية والمحسوبيات الضيّقة. من التّجارب الكثيرة التي واجهتها دول متعددة في العالم يمكن الاستنتاج ان وحدة مواقف الدول والحزم في التعاطي مع الملفات الاقتصادية التي تواجهها البلدان الرازحة تحت ثقل الديون تمهّد السبيل للبدء بمسيرة الاصلاح. اما الحديث عن استقرار أمني واجتماعي فمرتبط بالدرجة الاولى بالمسلمة الأولى وأيضا بالامكانيات المالية. اذ لا يمكن تصور أستقرار امني او اجتماعي في مجتمع فقير ينوء تحت وزر بطالة آخذة في التفاقم ووضع أمني خطير وهشّ لأبعد الحدود. ان معالجة هذه المشاكل بحاجة اولاً لقرار جريء بفتح كل المرافق الاقتصادية الحيوية على الأخصّ وعدم زيادة الخسائر التي منيت بها المؤسسات السياحيَة والاقتصادية جرّاء تعطيل الحروب وحروب التعطيل! وبالنسبة للامكانات الماليّة فمن الصعب التكلم عن امكانات نظراً لحجم الدين العام والعجز الذي يفوق كل تصوّر ويرسم بعداً جديداً غير مستحب يساهم أكثر فأكثر في "تصدير" خيرة اللبنانيين واللبنانيات. وبالانتقال لقيام علاقة حسنة بالعرب والعالم, فإن تحقيق هذا الأمر قد يستغرق سنوات طويلة ذلك لسبب بسيط يتمحور حول الصراع القائم في المنطقة حاليا وارتباط الاطراف اللبنانيين بهذا القطب الاقليمي او ذاك. لذا, من المستحيل تسجيل علاقات متساوية مع كل الاطراف ومحاولة توظيفها خدمة للبنان واقتصاده.
وإن كان لا بد من استحضار خلاصة "ثقيلة" فلا قفزة اقتصادية لا محدودة ولا شاسعة الآفاق وللحد من الشاؤم أقله على المدى المنظور. لا نشك للحظة برغبة الرئيس السنيورة بقيام دولة واقتصاد فعليين ولا نشك لبرهة ايضا
بأنه
أوّل المدركين للصعوبة المحيطة مع اشتداد أزمة قد تطيح بوجود وطن من الأساس.