Sunday, May 27, 2007

رغم استكمال المصالحات وتوافق الأطراف السياسيين على العودة
أهالي كفرمتى والشحّار ينتظرون الافراج على التعويضات
ويطالبون بمساواتهم مع سائر أبناء الوطن


مرت 24 سنة. نحو ربع قرن توالت سنواته منذ العام 1983. ولدت أجيال ورحلت أخرى وكأن الأعوام لم تمرّ أبداً بالنسبة لمهجّري كفرمتّى وبقية قرى الشّحار الغربي الذين لم يعودوا بعد الى قراهم. جرت مصالحات, انعقدت ندوات وتمّت آلاف المراجعات, لكن كفرمتّى والقرى المهجرة الأخرى لا تزال شاهدة على مأساة من أقسى مآسي الحرب الغابرة. مأساة ربما تكون ساعدت عوامل عدة على اندمال جرحها, لعلّ أبرزها الزّيارة التاريخية للبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الى الجبل والتي توّجت بالمصالحة, بالاضافة الى الواقع السّياسي المتجدّد الذي رسم أملاً في عودة سريعة للمهجرين. لكن عوائق ما زالت تحول دون استكمال العودة واغلاق آخر صفحة من كتاب الجبل الأسود في سنوات الحرب. يختصر أبرز هذه الأسباب بثلاث كلمات: عدم توافر أموال.


منذ نعومة أظافرها ووالدة الفتاة العشرينية تخبرها عن سحر بلدتها التي لم تزرها يوماً": كفرمتى. هكذا
رسمت الفتاة في خيالها صوراً لا تحصى عن تلك البلدة التي تسمع عنها الكثير من دون التعرف عليهامحمية طبيعية غارقة في ثنايا غابات الصنوبر الشاهدة على تاريخ يريد الكل نسيانه. انها الرحلة الأولى لكفرمتى التي تقوم بها, القرية التي تعرفها على الهوية فقط. لم يخب أملها قط, القرية شديدة الرّوعة, ولكن عند الوصول أمر غريب يظهر من دون أي استئذان. تناقض فاضح يشد الأنظار وكأن كفرمتى مقسومة شطرين: معظم البيوت العائدة لأبناء البلدة الدروز مبنيّة بالكامل وصالحة للسكن على أكمل وجه, أما البيوت العائدة لأبناء البلدة المسيحيين فلا تقبل الحرب أن تغادرها, حتّى الركام لم يزل من بعض المنازل. محاولات حثيثة تقوم بها البلدية لإعادة بث روح الحياة في القرية, ولكن الحقيقة واضحة: المنازل التي هجر منها أهلها لا تزال فارغة, وحيدة لا بل مهدّمة.
ويبقى الوضع معلقاً حتى يحصل أبناء كفرمتّى من مهجَرين ومقيمين على حدّ سواء على التعويضات التي تتلاءم ومطالبهم, على الأقل لإعادة بناء ما تهدّم وتدمّر من ممتلكاتهم وليستطيعوا البدء بحياة جديدة في قريتهم.
"بالكلام لا يمكن التعبير عن مشاعة المشهد" تؤكّد تيريز سعد, ابنة القرية, والتي هجرت منها لدى وقوع الأحداث المأسويّة عندما ترى منزلها المهدّم لأول مرة منذ العام 1983. وتضيف بحسرة: "لأكثر من 20 عاما المنزل مهدّم, ترى ذكرياتك المهجورة في داخله سوداء كسواد الحائط الذي اتخذه لونا دائما". ولا تنسى سعد المطالبة بالحصول على التعويضات بأسرع وقت ممكن "لنستطيع ازالة الركام والتفكير ببدء الترميم". ليست تلك مشكلة تريز وحدها فمعظم أبناء بلدتها والقرى التي ما زالت مهجرة تنتظر بفارغ الصبر وصول تعويضات التهجير وأموال إعادة البناء.


للذكرى فقط
يتغنى رئيس بلدية كفرمتى فؤاد خداج بتاريخ القرية قبل اندلاع الحوادث المؤلمة, ويشرح جغرافيّتها مؤكدا انها اكبر قرى منطقة الشحار, ويتذكر كم كانت مميّزة بالعيش المشترك. ويكمل "كانت ضيعة واحدة, بل عائلة واحدة بالعادات والتقاليد والأتراح والأفراح الى حين اندلاع الحرب الأليمة في الجبل." وينتقل ليتذكّر أن الحوادث التي عاشتها كفرمتى من أكبر الحوادث التي مرت على هذا الجبل "فدفعت القرية الكثير من البشر والحجر." ويتابع قائلاً ان دروز كفرمتى هجّروا عام 1983 مدّة 6 أشهر ثم عادوا إليها وهجّر المسيحيون ومن هذا التاريخ مرّ على هذا التهجير ربع قرن." من جهته, يشير عضو لجنة متابعة العودة وأحد المهجرين من كفرمتى سليمان جرجي رامح الى أن الحوادث انتقلت مع دخول اسرائيل الى الجبل و"بدأت اللعبة السياسية, ودخل الجيش اللبناني بعدها الى المنطقة وكانت نقطة انطلاق الاشتباكات

بعدما فتحت وزارة شؤون المهجرين ملف العودة الى الجبل اثر انتهاء الحرب, بدأت المعالجات في القرى التي عانت "مشاكل أقل من غيرها", أي أن العمل انطلق وفق قاعدة من الأسهل الى الأصعب بشكل أكثر تبسيطاً. وفضلت الوزارة أن تبقي القرى التي تحتاج الى مصالحات حتى تتمَ العودة والاطمئنان اليها الى نهاية ملف المهجرين "حتى تصبح النفوس مهيأة اكثر لتقبل الآخر" برأي سعد. ويوضح خداج ان الأسباب التي كانت تحول دون العودة في أغلبها "معنوية" بسبب الخسائر البشرية من الطرفين ابان الحرب لكنه يسارع ليؤكد ان "الاسباب المعنوية ذللت ولم يعد هناك اي مانع للمصالحة والعودة." ولكن ما الذي حصل لإزالة "العوائق النفسية" وبدء العمل الجدي لإنهاء معاناة أهالي الجبل المهجرين؟
مصالحة... ولا عودة
يتفق الطرفان انه قبل التطورات الاخيرة في البلاد التي نسجت تحالفات سياسية جديدة كان ملف العودة لكفرمتى وغيرها غير ممكن او بعيد المنال على الاقل. ففي تلك المرحلة يشدد سعد على غياب السياسيين الذي يطالبون بالعودة "دون غايات", اضافة الى المشاكل المادية. انما وبعد عدة تطورات متسارعة في الوضع السياسي الداخلي, قام تحالف بين الحزب الاشتراكي و"القوات اللبنانية" في اطار تحالف عام وشامل في كل لبنان. وكان لا بد من ان ينعكس هذا التحالف على ملف المهجرين خاصة انه ملف ملح انساني بالدرجة الأولى. في هذا المجال, يلفت سعد الى انه بعد الانتخابات النيابية الأخيرة (2004) برزت وعود حقيقية وخطوات جدية نحو تحقيق العودة عززتها الاتصالات بين القيادات السياسية لتحريك ملف كفرمتى والقرى الأخرى.
وكنتيجة لتلك الخطوات تمت لقاءات بين لجنة العودة لتي تضم التيارات السياسية والعائلات المقيمة. وجرت بعد ذلك سلسلة لقاءات بين "القوات" و"الاشتراكي" توصلاً للمصالحة التي تمت في المختارة بالذات حين اعلن النائب وليد جنبلاط والنائب جورج عدوان عن "القوات اللبنانية" ان "المصالحة قد تمت". اذن, بما ان العقبات السياسية والنفسية قد ازيحت من طريق العودة ما الذي يمنع من تحقيقها؟ كل هذه الخطوات الايجابية والأهالي لم يعودوا بعد الى قراهم. التفسير الوحيد الذي يمكن ايراده هنا هو العامل المادي.

إن تأمين الأموال ومصادرها لدفع التعويضات يشكل مسألة مستعصية رغم كل ما تم صرفه على ملف المهجرين. وهذا يضاف الى مسألة أساسية أخرى وهي قيمة التعويضات. فالتعويض المقترح هو 30 مليون ليرة لبنانية فقط لا غير, بعد أكثر من 20 عاماً من التهجير! ومن البديهي ان يطالب الأهالي بمبدأ المساواة في التعاطي بين أبناء الوطن ويطلبون 60 مليون ليرة او 50 مليون أقله, ويعتبرون انه في الدولة العادلة لا يجوز ان يكون صيف وشتاء تحت سقف واحد. وبالنسبة الى خداج فإن الثلاثين مليون مليون ليرة "لا يعملون حتى على إزالة الركام وبناء أساس أي منزل." وربما هو محق في قوله هذا نظراً للارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء بشكل عام. فهل تكون الضمانات الوحيدة لتحقيق العودة هي في الوصول الى حل سياسي يضمن تأمين الاموال كما يؤكد خداج؟ وكم على المهجرين الانتظار بعد؟ لا يختلف اثنان على ان التعويضات المقررة لمهجري الجبل لا تتناسب بتاتا مع حاجات اعادة البناء والسّكن من جديد في القرى التي يتوق أهلها للعودة اليها. لذا كان لا بدّ من التزام خطوات لرفع قيمة التعويضات والاسراع بقبض الأموال. وفي هذا الميدان, فإن المقيمين والمهجرين يقارنون بين ما دفع لأبناء الضاحية الجنوبية والجنوب مثلاً بعد أشهر قليلة على حرب تمّوز 2006 وبين ما لم يدفع بعد لأبناء الجبل الذي مضى على تهجيرهم 25 عاما. ويقول خدّاج ان التعويضات في حال اقتصرت على 30 مليون ليرة لن تكفي البتّة" فما من عدل ان يحصل الأخ الذي تهجر منذ 8 أشهر على تعويض قيمته 80 مليون ليرة, في حين يحصل ابن كفرمتى مثلاًَ على 30 مليونا بانتظار ان يحصل عليها اصلاً
."
وتكثر المطالبات برفع التعويضات, لكن العقبة في عدم التمكن من اصدار قانون جديد لرفع قيمة التعويضات بسبب عدم انعقاد مجلس النواب الذي بإمكانه أن يصدر مرسوماً بعد رفع مشروع قانون اليه من الحكومة. ولهذا السبب فزيادة المبالغ المالية المتوقع دفعها كتعويضات للمهجرين تستلزم اجراءات تتسم بالطابع السياسي المرتبط بالأزمة الحالية, فالحل الوحيد كما يؤكد الطرفان هو الحصول على أموال آتية من الخارج لدفع التعويضات اللازمة للمهجرين. وتحقيقا لتلك المطالب التقى وفد من رؤساء بلديات ومخاتير قضاءي بعبدا وعاليه بحضور أفراد من المهجرين رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الذي أعلن انه سيسعى في أول جلسة للمجلس الى تمرير سلفة اولى لصندوق المهجرين. وتوجه وفد لجنة كفرمتى المؤلف من 37 عضواً الى وزارة المهجّرين واجتمعوا بالوزير نعمة طعمة وأكدوا الاصرار على دفع التعويضات المحقة أسوة بالمهجرين من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
اما في ما يتعلق بأساس دفع التعويضات, فسيتم الدفع وفقا لأساس فرعين: أي رب المنزل يحقّ له بالتعويض زائد 2 من أولاده فوق سن ال18, وقد اتفق بين الأطراف الجبلية جميعها على هذا المنطلق في الدفع بانتظار الموعد المحدد للبدء بتسديد الاموال.
لا شكّ في أن الوضع في القرى التي لم تستكمل فيها العودة تحسّن نسبيّا عن الاعوام الماضية. لكن القضية لن تصل الى خواتيمها السعيدة الا بالعودة الكاملة لأبناء الجبل لقراهم. فكما يعبّر التوّاقون الى العودة: الضمانات الامنية موجودة حيث الجيش اللبناني والقوى الامنية, والتوافق السياسي سائد بالاضافة الى أن استكمال العودة يشكّل تطبيقاً لبنود اتفاق الطائف الذي لحظ الموضوع كما فعلت كل البيانات المتعاقبة لمجلس الوزراء. وفي النتيجة ان قرى كفرمتى, عبيه, عين كسور, دقون, كليليه, بريح, كفرسلوان وجوار الجوز ترفض ان تبقى أسيرة الماضي وتحتاج لمن يعيدها أخيرا الى خريطة لبنان الحقيقية, فهي أيضاً تحبّ الحياة وتريد أن تشعر بنبضها.

1 comment:

Yorgo Bittar said...
This comment has been removed by the author.