Wednesday, May 23, 2007

القطاع الخاص اكثر المستفيدين من تقديماته
كيف سيؤثّر باريس-3 على اللبناني العادي؟



منذ ستة أشهر تقريبا وتحديدا في 25 كانون الثاني 2007 كان لبنان نجما في العاصمة الفرنسية باريس حيث اجتمع ممثلو اكثر من 40 دولة ومؤسسة دولية, توافدوا من الشرق والغرب لمساندته ماليا. فمن كوريا الجنوبية الى فنلندا, من استراليا الى السويد ومن البرازيل الى ماليزيا تلاقت الدول في مؤتمر باريس-3 لاثبات دعمها لوطن الارز ولتأكيد مرة جديدة مكانة لبنان في المنظور الدولي والاهمية الكبرى التي تعلقها الدول العربية والدول الكبرى الصديقة لا سيما فرنسا على ضرورة المحافظة على استقراره المالي والاقتصادي. اتفق قادة البلدان المشاركة في هذه "التظاهرة العالمية" على تقديم دعم سخي للبنان, مثلهم فعلت المؤسسات المانحة في مقابل وعد لبناني بالالتزام بخطة اصلاح مالي واقتصادي شاملة كانت الحكومة اللبنانية قد اقرتها وحظيت "بمباركة" المجتمع الدولي. عندما جمعت المبالغ الموعودة, خيم الصمت على القاعة, 7,6 مليارات دولار. أعرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن سروره, فلأول مرة تأتي التعهدات اعلى بكثير من التوقعات‍‍‍‍! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الميدان يتناول بشكل رئيس التأثيرات والتداعيات التي ستواجه المواطن اللبناني جراء باريس-3 ايجابية كانت أم سلبية الى جانب المستوى الاقتصادي المالي العام. هل تستطيع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السير بالورقة الاصلاحية التي نالت على أساسها الثقة للحصول على الاموال في خضم الازمة االسياسية الراهنة؟ وبالتالي ما هي قدرة اللبنانيين على التجاوب مع متطلبات هذه الورقة؟ من يراقب سير صرف الاموال المقدمة وما هي الضمانات في هذا الاطار ومتى ستأتي الاموال الموعودة؟ وماذا يحتاج لبنان فعلا للنهوض من كبوته الاقتصادية؟ أسئلة أساسية تنتظر الاجابة عنها الشريحة الاكبر من النسيج اللبناني التواقة للخروج من النفق الاقتصادي والسياسي المظلم
من الطبيعي ان يكون المؤتمر الدولي لدعم لبنان افضى الى تعهدات بتقديم حوالي 7,62 مليار دولار على شكل منح وقروض

ميسَرةللمساعدة في اعادة بناء واصلاح الاقتصاد اللبناني الرازح تحت عبء دين عام ثقيل ويعانيالنتائجالكارثية لحرب تموز2006 مقابل ورقة اصلاحية تقدمت بها الحكومة اللبنانية. وستأخذ هذه الاموال أصلا شكل منح وتمويل لمشاريع, بعضها "مشروط" بتطبيق ورقة الاصلاح المالي والاقتصادي. ومن اجمالي المبالغ المرصودة, سيأخذ حوالي 730 مليون دولار شكل منح, مليارا دولار كقروض ميسَرة هدفها دعم الخزينة المالية, بالاضافة الى مبالغ بقيمة 2,2 مليار دولار ستذهب الى القطاع الخاص على شكل قروض. وسيجري استخدام هذه المساعدة لخفض الدين العام, وخفض تكلفة خدمة الدين ومشاريع الاستثمار في البنى التحتية وتفعيل اداء القطاع الخاص وتنفيذ رزمة من الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تبدو العقبة الاكبر في مسيرة باريس-3.
خطة الاصلاح؟
تستهدف اكثر التعهدات المالية التي قطعت في المؤتمر تمويل خطة الاصلاح المالي والاقتصادي الخمسية, والتي رأى فيها صندوق النقد الدولي برنامجا طموحا. ورغم أن حجم المساعدات التي تم التعهد بها تتجاوز ما حصل عليه لبنان في المؤتمرين الباريسيين السابقين الا ان معظم المانحين ربطوا تقديم المساعدة بالتقدم الحاصل في خطة الحكومة الاصلاحي. وباعتبار ان عناصر عدة في ورقة لبنان الى المؤتمر تتطلب تصديق البرلمان عليها, يخشى الا يحصل لبنان في نهاية المطاف سوى على حصة ضئيلة مما تعهد المجتمع الدولي بتقديمه. وكان العديد من المشاركين في المؤتمر اكدوا ان المبالغ الموعودة لن تمنح للبنان دفعة واحدة بل سيجري تقسيطها بما يواكب تطبيق البرنامج الاصلاحي مثير للجدل داخليا.

بعد اقرار مجلس الوزراء اللبناني خطة الرئيس فؤاد السنيورة لمؤتمر باريس-3 لقيت هذه الخطرفضامن بعض الهيئات الاقتصادية لما تضمنته من بنود في زيادة الضرائب الامر الذي قد لا يتحمله اللبناني في المستقبل خصوصا انه يرزح تحت عبء ضريبي كبير. فما هي البنود التي تمس اللبناني تحديدا؟ يتضمن باب "تحفيز الايرادات" في الورقة الاصلاحية رفعا لنسبة الضريبة على الفوائد من 5% الى 7% بدءا من العام 2008 وهنا لا بد من اللفت الى ان هكذا اجراء قد يشجع قسما من اللبنانيين الى تحويل اموالهم الى مصارف خارجية ويهربون بالتالي الودائع. كما تتناول الورقة "توصية" برفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 12% في العام 2008, ثم الى 15% في العام 2010 وتعديل نسبة الرسم على البنزين بشكل تدريجي بدءا من نهاية 2007 حتى تعود الى مستواها قبل وضع سقف لسعر البيع بحلول عام 2011. ومن البديهي القول ان تعديل هذه النسب سيؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة في لبنان ويؤدي الى خفض القدرة الشرائية للمستهلك. وبالنسبة لبند استبدال الضرائب النوعية على الدخل بالضريبة الموحدة على الدخل الاجمالي دون ادخال تعديلات على نسب الضريبة بحلول عام 2008 فإن ذلك سيؤثر جدا على السرية المصرفية لأنه سيضع فوائد المصارف ضمن الضريبة. اما في مجال اجراءات الانفاق فقد ورد في الخطة نية مراجعة الرواتب والتقديمات في بعض المؤسسات العامة وخاصة رواتب اعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين اضافة الى مخصصات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ومن الملح ان يتم الاسراع بتنفيذ هذه الاجراءات لأن الرواتب الخاصة بالمسؤولين ان تم اقتطاع جزء يسير منها تساهم بشكل كبير في استثمار مشاريع تنموية مثلا‍! ويترافق الاجراء الخاص بالرواتب بتخفيض نفقات السفر الرسمية الى حد ادنى واعادة النظر بمخصصات السفر. وتطلب الخطة توفيرا في تعويضات النقل ومصاريف اخرى عبر تمديد ساعات العمل من 32 ساعة الى 36 ساعة بحلول منتصف العام 2007 ولكن من المعروف ان الانتاجية لا ترتبط بالضرورة بالساعات انما هي بقدرة الانسان على العمل ضمن الساعة المحددة ومن الواجب تحفيز الموظفين خاصة الأكفَاء منهم لمزيد من الانتاجية. وتلحظ الخطة ايضا تقليص الهدر المتعلق باتسهلاك المحروقات وكلفة الاتصالات في القطاع العام وهو أمر ملح نظرا للهدر الكبير الملاحظ في هذا القطاع. كما تقرر اغلاق صندوق المهجرين ومجلس الجنوب الذين من المتوقع ان ينجزا مهامهما المحددة بحلول نهاية عام 2008 ومراجعة اوضاع الاستخدام المفرط في بعض الوزارات

والمؤسسات العامة التي لم تعد فاعلة ومن غير المنطقي "معارضة" هذا البند بل بالعكس يجب البدء بتنفيذه فورا عبر الاقفال النهائي لملف المهجرين. يبدو جليَا ان قسما لا بأس به من البنود تمسَ المواطن اللبناني في حياته اليومية الا ان ما يجدر تناوله بالحاح هو مدى نجاح اهداف الخطة الاقتصادية ومؤتمر باريس-3 في حال تطبيقها كاملة مع العلم ان دونها عقبات كثيرة؟ ان قرارات مؤتمر باريس-3 هي بداية طريق طويلة لاستعادة العافية للاقتصاد الوطني ولا يمكن الاستفادة مما ناله لبنان من هذا المؤتمر ما لم يتم تحقيق الامور الآتية على الأقل: استقرار الوضع الامني والسياسي, توسيع أهداف الخطة الاصلاحية والتخلي عن بعض بنودها وادماج بين بنودها ونقل الخطة من الاصلاح المالي كمقام أول الى الاصلاح والتحفيز الاقتصادي, بالاضافة الى اشاعة شعور بسلامة الاستثمار في لبنان. واذ يعوَل الكثير على المؤتمر الدولي لانقاذ الاقتصاد اللبناني من اوضاعه الحالية, يحتاج لبنان ليس فقط الى تعزيز النمو وتخفيف الفقر بل الى تعميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فما هو السبيل لتحقيق ذلك بالتوازي مع باريس-3؟
اجراءات ضرورية
تحتاج مؤسسات الدولة اللبنانية وليس الحكومة فقط الى توسيع نظرتها للتنمية بحيث تتعزز الديمقراطية وتتنوع السياسات المطلوبة لتشمل الشؤون الاجتماعية والاداية الى جانب الاقتصادية. ان مفهوم التنمية في القرن الواحد والعشرين لا يقتصر على تطوير معيشة المواطنين وتحسين القوانين والمؤسسات وانما يشمل تعيين المقومات التي تسمح بتحقيق تغيرات سليمة في المجتمع أي ان يتجاوز المجتمع أية تبدلات اقتصادية بسلاسة دون مشاكل او تعثرات. ولمحاولة الاستفادة الى أقصى حد من آثار اقتصادية ناجحة لباريس-3 يجب ان يطرح أي برنامج اصلاحي يقدم الى الخارج في الداخل حاظيا بموافقة الحكومة ومناقشة المجلس النيابي وان يكون معلنا رسميا اي ان يقدم الى اللبنانيين حتى يدعموا المواقف التي ستعلن.
باختصار, يجب تجنب أخطاء باريس-2 حتى يكون باريس-3 ناجحا ليس فقط في انعقاده وانما ايضا في نتائجه الكبيرة المتوقعة.اذن لا بد من اتخاذ خطوات جريئة وضرورية تتركز على التالي:
- محاربة الفقر الذي زاد مجددا نتيجة الحرب الاخيرة وضياع موسم اصطياف مزدهر وبالتالي فرص عمل جديدة. هناك فارق كبير جدا بين نمو 6% كان متوقعا لسنة 2006 وركود محتمل لهذا العام يقدر ب6% ايضا‍! لذا يجب ان تبذل الحكومة جهودا حثيثة وان تملك استراتيجية واضحة بشأن محاربة البطالة والفقر. ترتكر الاستراتيجية على قواعد ثلاثة اولها توفير الفرص الانتجاية للفقراء, تشجيعهم على المشاركة في القرارات الاقتصادية المؤثرة في حياتهم وثالثا حمايتهم من من المخاطر الاجتماعية التي تواجههم عبر توفير ما يعرف ب"شبكات الامان".
- التعهد الحكومي بالقيام باصلاحات ضخمة في القوانين والمؤسسات لتقديم خدمات أفضل للبنانيين وليصبح الاقتصاد جاذبا اكبر للاستثمارات الخارجية. يمكن البدء كخطوة أولى باصلاح اداري اذ لا يمكن تكون سياسات فاعلة في غياب ارادة منتجة‍. في هذا الميدان, من المفيد جدا تنفيذ الخصخصة والتفكير مجددا باللامركزية الادارية التي تسهل حياة الناس وتطور عمل الادارات.
- متابعة الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي عبر دفع جديد تقوم به الحكومة لملف انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية الى الواجهة حيث ان للعولمة منافع كثيرة اذا استطعنا الاستفادة من قواعدها وحمينا الاقتصاد اللبناني من التقلبات الكبيرة.
قد تجيب هذه الافكار عن تساؤلات حول اعتماد افضل السبل لتحقيق توازيا منطقيا مع متطلبات ونتائح مؤتمر باريس-3 الا أنه من الملح القاء الضوء على اكثر القطاعات المستفيدة من المؤتمر وعن الموعد المنتظر لبدء وصول المساعدات.
تأثيرات وتطمينات
يبدو ان القروض الميسَرة ستركز على تأمين اموال التعويضات التي تطالب بها مؤسسات عانت الدمار الشامل ابان حرب تموز اي التي تضررت في شكل مباشر وشديد (200 مليون دولار), وتمويل التعويضات من المؤسسات التي عانت اضرارا غير مباشرة وشديدة وهذا البرنامج الذي تبلغ كلفته حوالي 40 مليون دولار يمثل ركيزة مهمة لتغطية الخسائر الاقتصادية في القطاعات التي عانت الحرب والحصار وكانت أضرارها غير المباشرة اكبر واقوى بكثير من اضرارها المباشرة. ويضاف الى تلك القروض أخرى مدعومة تهدف الى تمكين اعادة جدولة ديون المؤسسات القائمة وتمويل الرساميل التشغيلية لها من خلال برنامج تبلغ قيمته حوالي 9 ملايين دولار. اما القروض المتبقية فتمثل اموالا مدعومة لتمويل المشاريع الصغيرة وتأمين القروض الصغرى (Micro credits) من خلال برنامج قيمته 100 مليون دولار فضلا عن برنامج يهدف الى توسيع اطار قروض "كفالات" للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقيمته 150 مليون دولار.
هكذا يتبين بوضوح ان مبالغ باريس-3 ستكون مصوبة بتركيز على ايلاء اهتمام اساسي لدفع عجلة القطاع الخاص والنشاط الاقتصادي الى جانب تمويل ميسَر وطويل الامد من خلال المؤسسات الدولية والعربية وتحديد آجال الاستحقاقات واعطاء مهل سماح واعادة هيكلة الديون وتنمية الصادرات والترويج للبنان كمركز اعمال ومال وخدمات في المنطقة. اما عن الموعد المتوقع لبدء وصول الاموال الموعودة فإن البرامج التنموية قد انطلق بعضها فعلا الا أن الكثير منها ايضا يحتاج الى اجراءات داخلية لبنانية مع توقع اولى الدفعات خلال الفترة القريبة القادمة خاصة من فرنسا والدول العربية.
ومنعا لأي تشكيك قد يطرأ في بال العديدين خاصة مع حال الفساد المستشري في البلاد يشار الى ان صندوق النقد الدولي سيتولى مراقبة تطبيق الاصلاحات ويصدر تقارير فصلية حول التقدم الحاصل فيها وستكلف لجنة من ممثلين للبلدان المانحة والمنظمات الدولية تقييم الخطوات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية في هذا الصدد مع التأكيد ان البلدان العربية ستساهم في هذه اللجنة بفعالية.
يواجه الاقتصاد اللبناني ومنذ ما قبل انعقاد مؤتمر باريس-3 صعوبات جمة فالدين العام يتجاوز 41 مليار دولار ويساوي ضعفي الناتج المحلي اللبناني ما يضع الوطن الصغير في مصاف اكثر البلدان مديونية نظرا لدخله الوطني. وقد زادت تأثيرات حرب تموز من تعقيد الازمة فبرزت الحاجة لمؤتمر باريس-3. اعتبر صندوق النقد الدولي ان النجاح في مؤتمر باريس-3 ضروري لوضع الدين العام عند مستويات مستدامة وخطة الاصلاح المالي والاقتصادي اللبنانية ينبغي ان تنال دعما قويا عبر رزمة من التبرعات والمنح التي تسهم في خفض الدين. صحيح ان باريس-3 ليس حلا في حد ذاته, انما ينبغي حسن الاستفادة منه لتحسين وضع المالية العامة من جهة وتحفيز النشاط الاقتصادي لتحقيق النمو وتوفير فرص العمل من جهة أخرى, ويجب تحقيق قفزة نوعية من هذه الصدمة
الايجابية التي من المحتمل جدا ان يطاح بها نظرا للاوضاع السياسية والتشنجات الخطيرة التي نعيشها.

No comments: